يلاحظ في السنوات الأخيرة سيطرة الطابع الواقعي على القصة ، حتى بتنا نشتاق إلى الخيال، وأعني به الارتفاع عن واقع الأرض ولو قليلا، فالخيال أجمل بمكنوناته وخياراته الإبداعية والجمالية والأهم الفلسفية، بما تمتلكه الفلسفة من حدس وتخمينات. فالقصة الفلسفية تُحدث مفاجآتها في القارئ، وهي تواجه التفكير الواقعي لديه، لكن هذه القصص باتت نادرة، فلا اختراق للمخيلة بفاعلية متوهجة، ولا مكان لطرح الأسئلة العميقة كالسابق. فالأسئلة في القصة آلية معرفية أحدثها ابن طفيل قبل نحو تسعة قرون في كتابه "حيّ بن يقظان"، بلغته المجازية حول الوصول إلى الكمال من خلال شخصية الإنسان الحيّ الفطري في جزيرة بعيدة لم تصل إليها علوم الإنسان وآدابه، وهي الرواية الأولى في العالم الصوفي الإسلامي العربي، برؤاها الفلسفية التي أصبحت مصدرا للخيال للعديد من الروائيين والمفكرين، فكانت بداية مدهشة بحدسها الجوال والمنعزل والصاخب. فمن يقرأ هذه الرواية يجد نفسه مستسلما لنداء السؤال الرحب: من أنا؟ من نحن؟ وبقية الأسئلة المتيمة بحب الإنصات، ثم التفكير في زوايا مَرَّ الزمن عليها سريعا.